غزوة بدر الكبرى 3المبارزة
بعد هذا خرج ثلاثة فرسان قريش يطلبون المبارزة و هو عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة والوليد بن عتبة ، فخرج لهم ثلاثة من شباب الأنصار وهم عوف و معوذ ابنا الحارث – و أمهما عفراء – و عبدالله بن رواحة ، فلم يقبل فرسان قريش بغير بني أعمامهم من المهاجرين ، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث و حمزة و علي أن يبارزوهم . وكان حمزة لعتبة ، وعبيدة للوليد ، وعلي لشيبة . وقتل علي وحمزة صاحبيهما وأعانا عبيدة على قتل الوليد ، و احتملا عبيدة الذي أثخنه الوليد بالجراح . و في هؤلاء الستة نزل قول الله تعالى : ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ، فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يُصب من فوق رؤوسهم الحميم).
ثم طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من علي أن يناوله كفا من حصى ، فناوله ذلك ، فرمى به وجه القوم ، فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء ، فنزلت الآية الكريمة ( و ما رميت إذ ميت و لكن الله رمى).
و الملائكة تشهد بدراً
و نزل المسلمون ساحة المعركة بقوة إيمانية كبيرة ، و شدوا على المشركين ، و أخذوا في اقتطاف رؤوسهم ، و أمدهم الله بالملائكة لينصرهم على عدوهم ، كما في قوله تعالى : ( و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة ) الآيات ، و ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) و ( إذ يوحى ربك إلى الملائكة أني معكم ، فثبتوا الذين آمنوا ، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ).الآية .
و كما روى من الأحاديث في هذا الشأن . فقد روى مسلم في هذا : ( بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه و صوت الفارس يقول : أقدم حيزوم ، فنظر إلى المشرك أمامه ، فخر مستلقيا ، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه ، و شق وجهه كضربة السوط ، فاخضر ذلك أجمع . فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( صدقت . ذلك من مدد السماء الثالثة ). وروى أحمد أن رجلا من الأنصار قصير القامة جاء بالعباس أسيراً ، فقال العباس : ( يا رسول الله ، إن هذا والله ما أسرني ، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها ، على فرس أبلق ، ما أراه في القوم ) ، فقال الأنصاري : ( أنا أسرته يا رسول الله . فقال : ( اسكت ، فقد أيدك الله تعالى بملك كريم ). و روي الأموي أن الرسول صلى الله عليه و سلم خفق خفقة في العريش ثم انتبه ، فقال : ( أبشر أبا بكر ، أتاك نصر الله ، هذا جبريل معتجر بعمامة ، آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع ، أتاك نصر الله وعدته).
و رويت أحاديث في مشاركة الملائكة المسلمين يوم بدر و لم تصرح بالقتال . فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يوم بدر : ( هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب ) ، و قال في رواية أخرى : ( جاء جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها – قال : و كذلك من شهد بدراً من الملائكة ) . و روى الحاكم أنه كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء معتجر بها ، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر .
لقد أكرم الله عباده المؤمنين يوم بدر ببعض الكرامات . فقد روى أن عكاشة بن محصن قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده ، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم جذلاً من حطب ليقاتل به ، فإذا هو في يده سيفاً طويلاً شديد المتن أبيض الحديدة ، فقاتل به يوم ذاك و في المعارك الأخرى التي شهدها بعد ذلك ، وآخرها يوم اليمامة – أحد أيام حروب الردة – حين قتل شهيداً .
و عندما رأى إبليس – و كان في صورة سراقة بن مالك – ما تفعل الملائكة و المؤمنين بالمشركين ، فر ناكصاً على عقبيه ، حتى ألقى بنفسه في البحر .
مصرع الطغاة
(أ)
أبو جهل : روى البخاري و مسلم من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه قال : ( إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت ، فإذا عن يميني و عن يساري فتيان حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانهما ، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه : يا عم ، أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي ، فما تصنع به ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : و الذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ، فتعجبت لذلك. قال : و غمزني الآخر فقال لي مثلها ، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس ، فقلت : ألا تريان ؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه ، قال : فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أيكما قتله ؟ فقال كل واحد منهما : أنا قتلته ، قال : هل مسحتما سيفكما ؟ فقالا : لا . فنظر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى السيفين ، فقال : كلاكما قتله ، و قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ، و الرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح و معاذ بن عفراء ).
و روى ابن إسحاق ، من حديث معاذ بن الجموح أنه قال : ( سمعت القوم و أبو جهل في مثل الحرجة _ أي الشجرة الكثيرة الأغصان _ ، و هم يقولون : أبو الحكم لا يخلص إليه ، قال : فلما سمعتها جعلته من شأني ، فصمدت نحوه ، فلما أمكنني حملت عليه ، فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه … و ضربني ابنه عكرمة على عاتقي ، فطرح يدي ، فتعلقت بجلدة من جنبي ، و أجهضني القتال عنه ، فلقد قاتلت عامة يومي و إني لأسحبها خلفي ، فلما آذتني وضعت عليها قدمي ، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها ، ثم مر بأبي جهل – و هو عقير – معوذ بن عفراء – فضربه حتى ثبته فتركه وبه رمق ، و قاتل معوذ حتى قتل).
و روى البخاري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : عندما انجلت المعركة : ( من ينظر ما صنع أبو جهل ؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد ، قال : أنت أبوجهل ؟ قال : فأخذ بلحيته ، قال : وهل فوق رجل قتلتموه أو رجل قتله قومه ؟ ) و في رواية أحمد أن الرسول صلى الله عليه و سلم ذهب مع ابن مسعود ليرى جسد أبي جهل ، و قال : ( كان هذا فرعون هذه الأمة ) . و في رواية ابن إسحاق إن أبا جهل قال لابن مسعود عندما جثا عليه : ( لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعي الغنم).
(ب)
أمية بن خلف : تمكن عبد الرحمن بن عوف من أسر أمية ، و عندما رآه بلال معه ، قال : ( رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا ) ، و حاول عبد الرحمن أن يثنيه عن عزمه فلم يستطع ، بل استنفر بلال الأنصار فلحقوا به معه و قتلوه على الرغم من أن ابن عوف ألقى عليه نفسه وأمية بارك . و عندما طرح قتلى المشركين في القليب ، لم يطرح معهم ، لأنه انتفخ في درعه فملأها ، و عندما ذهبوا ليحركوه تفرقت أعضاؤه ، فتركوه في مكانه ، و ألقوا عليه ما غيبه من الحجارة والتراب .
(ج)
العاص بن هشام بن المغيرة : كان العاص بن هشام بن المغيرة خال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ولذا حرص عمر على قتله ، فقتله حتى يعلم أن ليس في قلبه ولاء إلا لله وحده . لقد انجلت معركة بدر عن نصر كبير للمسلمين. إذ قتلوا سبعين ( 70 ) من المشركين ، وأسروا سبعين ( 70 ) ، و لم يقتل من المسلمين سوى أربعة عشر رجلا ( 14 ) ، ستة من قريش ( 6 ) وثمانية من الأنصار (
.